قســـــــــــــــــوة الوالديــــــــــــــــــــــــــــن
العنف الأسري ظاهرة واسعة الانتشار في كثير من المجتمعات ، وأكثر ضحاياه الأطفال ، حيث يميل بعض الوالدين في معاملتهم وتربيتهم لأطفالهم الى التمسك بالوسائل القسرية الزاجرة الشديدة الإيلام والتاثير على الطفل ، فيلجؤون الى الضرب المبرح لأتفه الأسباب ، وفي ظنهم أن هذه القسوة ستحقق لهم التربية السليمة لأطفالهم ؛ فالعقاب البدني هو أكثر طرائق التأديب استعمالا في كثير من المجتمعات ، ويشكل اتجاها تنشيئيا سائدا ، ويستخدم بدرجات متفاوته ، مالصفعة وهي أكثر شيوعا وأشد إيلاما للنفس والبدن على السواء ، الى جانب الضرب على القفا أو في أي مكان آخر من الجسم ، باليد أو بآلة أخرى كالحزام أو العصا أو النعال أو غير ذلك ، لهذا التجاه التربوي انعكاسات سيكولوجية ووجدانية على الطفل ، ويتفق كل المربين وعلماء النفس على خطورته وإن اختلفوا في تحديد آثاره ةنتائجه على الطفل صغيرا وكبيرا وتقدير خطورتها ...
حيث يرى بعضهم أن العقاب البدني الموجه نحو الطفل تتولد عنه مشاعر عدوانية نحو الوالدين والأب بشكل خاص ، وقد تتحول هذه المشاعر بمرور الزمن ، فيسقط الطفل بعد أن يصير كبيرا دوافعه المكبوتة ضد المجتمع وضد أشكال السلطة فيه ويرى آخرون أن هذا العقاب ينتج عنه قصور في علاقة الطفل ببيئته ، وعند كبره يصبح سلوكه عدوانيا يلجأ الى العنف كلما أتيحت له الفرصة وغالبا ما يعيد الأفراد إنتاج نفس العلاقات التربوية التي خضعوا لها في طفولتهم ، الأمر الذي يوسع دائرة العنف ويجعله سلوكا مقبولا ، ويهيئ بالتالي التربة الخصبة لإنتاج الجانحين ،والملاحظ خلال حالات كثيرة للقسوة والعقاب أن زيادة استخدام العقاب من الطفل تؤدي حتما الى الجنوح ، لأن العقاب يخيف ، والخوف يتعارض مع الرغبة في إثبات الذات ، ويتصارع إحساسان قويان داخل الطفل : إحساس بالخوف ورغبة في إثبات الذات ، وفي أغلب الأحيان يستجيب الطفل لرغبته في إثبات ذاته فيقوم برد فعل دفاعي وتختلف طبيعة هذا الرد ودرجه حدته من الطفل لآخر باختلاف الأطفال وظروفهم ، ويلقى رد الفعل بدوره عقابا وهكذا تتكون حلقة مفرغه (خوف ، رد ، فعل ، عقاب ) يصبح الطفل أسيرها ...
ومن أهم الأبحاث المنجزة في هذا الموضوع دراسة ((سعدي لفته)) على مجموعة من الاطفال الجانحين ، وقد وجد أنهم كانوا يعانون قسوة وشدة أوليائهم عليهم تنغص عليهم العيش ، كانوا يتلقون الضرب والكي بالنار والرابط بالحبل والعزل بالغرفة والحرمان من الطعام والملابس والمصروف اليومي ...
وفي دراسة أخرى وجد ((سلامة)) فروقا ذات دلالة بين الجانحين والاسوياء في كثير من الحاجات النفسية المهمة ، وكانت الحاجة الى الإنتماء الى أبوين بديلين والحاجة الى العدوان على الغير أكثر وضوحا لدى الجانحين ، وكان الجانحون قد وصفوا آباءهم بكل صفات السوء من خلال الاختبار ، كما كان الخوف من العقاب والحرمان وفقدان الحب أكثر شيوعا في قصص الجانحين ...
وأسوأ ما ينطوي عليه الإفراط في العقاب البدني الموجه للطفل أنه يتضمن تبخيسا وحطا من قيمة الطفل ، لأنه لابد لتبرير هذه العدوانية من الحط من قيمة الطفل ،ويترتب على ذلك تكوين الطفل لصورة سلبية على نفسه ، يظل يحملها طيلة حياته ، يؤثر تصوره لنفسه على علاقاته بأصدقائه وإخوته وغيرهم ، فهو ضعيف عاجز منعدم الفعالية والكفاءة وبدون طموحات تذكر ، وكثيرا ما يكون عرضة لظهور أعراض عصابية من مختلف الأنواع ومن جملتها عقدة النقص .. هذه العقدة هي مجموعة من الأفكار ذات شحنة انفعالية قوية تدور حول ما يشعر به هذا الشخص من قصور هو وهمي في الغالب ، وقد يدفع هذا الإحساس الى الاتجاه نحو التعويض ، الذي قد يحقق أهدافا شخصية أو اجتماعية قيمة أحيانا ، الا أن ذلك غير ممكن لجميع الاشخاص لأنه يصعب في البيئات الفقيرة إتاحة هذه الفرصة ، التعويض يؤدي الى العصاب حتما ...